الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.استيلاء أبي الغازي على حلب. كان رضوان بن تتش صاحب حلب لما توفي سنة سبع وخمسمائة قام بأمر دولته لؤلؤ الخادم ونصب ابنه البارسلان في ملكه ثم استوحش منه ونصب مكانه أخاه سلطان شاه واستبد عليه ثم سار لؤلؤ الخادم إلى قلعة جعفر سنة إحدى عشرة بينه وبين مالك ابن سالم بن مالك بن بدران فغدر به مماليك الأتراك وقتلوه عند خرت برت واستولوا على خزائنه واعترضهم أهل حلب واستنقذوا منهم ما أخذوه وولى شمس الخواص أتابك مكان لؤلؤ ثم عزل لشهر وولى أبو المعالي بن الملحي الدمشقي ثم عزل وصودر واضطربت الدولة وخشي أهل حلب على بلدهم من الافرنج فاستدعوا أبا الغازي بن ارتق من ماردين وسلموا له البلد وانقرض ملك آل رضوان بن تتش منها فلم يملكها بعد واحد منهم ولما ملكها لم يجد فيها مالا فصادر جماعة من الخدم وصانع الافرنج بما لهم ثم سار إلى ماردين بنية العود إلى حمايتها واستخلف عليها ابنه حسام الدين تمرتاش..واقعة أبي الغازي مع الافرنج. ولما استولى أبو الغازي على حلب وسار عنها طمع فيها الافرنج وساروا إليها فملكوا مراغة وغيرها من أعمالها وحاصروها فلم يكن لاهلها بد من مدافعتهم بقتال أو بمال فقاسموهم أملاكهم التي بضاحيتها في سبيل المصانعة وبعثوا إلى بغداد يستغيثون فلم يغاثوا وجمع أبو الغازي من العساكر والمتطوعة نحوا من عشرين ألفا وسار بهم إلى الشام سنة ثلاث عشرة ومعه أسامة بن مبارك بن منقذ الكناني وطغان ارسلان بن اسكين بن جناح صاحب ارزن الروم ونزل الافرنج قريبا من حصون الاماري في ثلاثة آلاف فارس وتسعة آلاف راجل ونزلوا في تل عفرين حيث كان مقتل مسلم بن قريش وتحصنوا بالجبال من كل جهة إلا ثلاث مسارب فقصدهم أبو الغازي ودخل عليهم من تلك المسارب وهم غارون فركبوا وصدقوا الحملة فلقوا عساكر المسلمين متتابعة فولوا منهزمين وأخذهم السيف من كل جهة فلم يفلت إلا القليل وأسر من زعمائهم سبعون فاداهم أهل حلب بثلثمائة ألف دينار وقتل سرجان صاحب انطاكية ونجا فلهم من المعركة فاجتمع جماعة من الافرنج وعاودوا اللقاء فهزمهم أبو الغازي وفتح حصن الاربات ورزدنا وعاد إلى حلب فأصلح أمورها وعبر الفرات إلى ماردين وولى على حلب ابنه سليمان ثم وصل دبيس بن صدقة إلى أبي الغازي مستجيرا به فكتب إليه المسترشد مع سرير الدولة عبد أبي الغازي بابعاد دبيس ثم وقع بينه وبين السلطان محمود الاتفاق ورهن ولده على الطاعة ورجع وسار أبو الغازي إلى الافرنج عقب ذلك سنة أربع عشرة فقاتلهم بأعمال حلب وظفر بهم ثم سار هو وطغركين صاحب دمشق فحاصروا الافرنج بالمثيرة وخشوا من استماتتهم فأفرج لهم أبو الغازي حتى خرجوا من الحصن وكان لا يطيل المقام بدار الحرب لان أكثر الغزاة معه التركمان يأتون بجراب دقيق وقديد شاه فيستعجل العودان فنبت ازوادهم والله أعلم..انتقاض سليمان بن أبي الغازي بحلب. كان أبو الغازي قد ولى على حلب ابنه سليمان فحمله بطاعته على الخلاف على أبيه وسار إليه أبوه تلقاه ابنه سليمان بالمعاذير فأمسك عنه وقبض على بطانته الذين داخلوه في ذلك وكان متولي كبرها أمير كان لقيطا لأبيه ونشأ في بيته فسمله وقطع لسانه وكان منهم آخر من أهل حماة قدمه أبو الغازي على أهل حلب فقطعه وسمله فمات وأراد قتل ابنه ثم ثنته الشفقة عليه وهرب إلى دمشق وشفع فيه طغركين فلم يشفعه ثم استخلف على حلب سليمان ابن أخيه عبد الجبار ولقبه بدر الدولة وعاد إلى ماردين وذلك سنة خمس عشرة ثم ابنه حسام الدين تمرتاش مع القاضي بهاء الدولة أبي الحسن الشهرزوري شافعا في دبيس وضامنا في طاعته فلم يتم ذلك فلما انصرف تمرتاش إلى أبيه أقطع السلطان أباه أبا الغازي مدينة ميا فارقين وكانت لسقمان القطبي صاحب خلاط فتسلمها أبو الغازي ولم تزل في يده إلى أن ملكها صلاح الدين بن أيوب سنة ثمانين وخمسمائة والله تعالى أعلم..واقعة مالك بن بهرام مع جوسكين صاحب الرها. قد تقدم لنا أن جوسكين من الافرنج كان صاحب الرها وسروج وأن مالك بن بهرام كان قد ملك مدينة غانة فسار سنة خمس عشرة إلى الرها وحاصرها أياما فامتنعت عليه وسار جوسكين في اتباعه بعد أن جمع الافرنج وقد تفرق عن مالك أصحابه ولم يبق معه إلا أربعمائة فلحقوه في أرض رخوة قد نصب عنها الماء فوحلت فيها خيولهم ولم يقدروا على التخلص فظفر بهم أصحاب مالك وأسروهم وجعل جوسكين في اهاب جمل وخيط عليه وطلبوا منه تسليم الرها فلم يفعل وحبسه في خرت برت بعد أن بذل في فديته أموالا فلم يفادوه والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.
|